العجارمة يبدي رأيه بشمول “مجلس الأمة” بالضمان : الانحراف بالسلطة التشريعية

**النائب يمثّل الأمة في الأعراف الدستورية العالمية وما ينبغي أن يكون موظفاً أو عاملاً  

هلا أخبار – رأى رئيس ديوان التشريع السابق أستاذ القانون الإداري الدكتور نوفان العجارمة أن الفقرة المضافة من قبل مجلس النواب في مشروع قانون الضمان الاجتماعي تتسم ب”الانحراف” في السلطة التشريعية.

وخلُص العجارمة في مداخلة له عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي مساء الخميس بالقول “إن غاية التشريع تخضع لرقابة القضاء الدستوري (المحكمة الدستورية)، فإذا انحرف المشرع عن هذه الغاية (المصلحة الوطنية الجامعة) إلى غايات أخرى بجانب هذه المصلحة (وهي المصلحة الخاصة للسادة النواب) فإن تصرفه ذلك يسمه بميسم الانحراف بسلطة التشريع لغير ما وضعت له، ويجعل هذا القانون غير دستوري.

وكان مجلس الأعيان رفض شمول أعضاء مجلس الأمة بالضمان الاجتماعي وقرر شطب الفقرة المضافة، معيداً مشروع القانون إلى مجلس النواب الذي سينظر به مجدداً صباح الأحد المقبل.

 

وتالياً نص ما كتبه العجارمة :

 “الانحراف بالسلطة التشريعية”

“الانحراف بالسلطة التشريعية”، تحت هذا العنوان كتبت مقالاً قبل أكثر من (٨) سنوات، عندما عدّل مجلس النواب في حينه قانوني التقاعد المدني وجوازات السفر، ووضعت نصوص خاصة تفضيلية تخدم السادة أعضاء مجلس النواب دون سواهم.

وبمناسبة النقاش المحتدم حالياً بشأن نفس الفكرة حول تعديل قانون الضمان الاجتماعي من قبل السادة مجلس النواب ووضع نص خاص بالنسبة لأعضاء مجلس الأمة بشأن اشتراكهم بتأمينات الضمان الاجتماعي (العجز والشيخوخة)، فما زال المقال يحتفظ بقيمته، لذلك أعيد نشره من باب تأصيل الفكرة والمحافظة على العرف التشريعي وكذلك تعميم الفائدة.

لذلك استوقفتني الممارسة الأخيرة لمجلس النواب، فيما يتعلق بقانون الضمان الاجتماعي، والذي أظهر المجلس بكل جلاء سعيه الحثيث إلى تحقيق بعض المكاسب المادية لأعضائه من خلال تمرير هذا القانون.

وموقف مجلس النواب يفتح الباب على مصراعيه للحديث عن مدى دستورية هذا القانون، في حال تم إقراره، فتضارب المصالح واضح في هذا الأمر، ولم يراع مبدأ الحياد الوظيفي التشريعي، في تعاطيه مع هذا القانون، الأمر الذي يجعل النصوص الواردة في هذا القانون والمتعلقة بمجلس النواب لا تتفق وأحكام الدستور، لأن مجلس النواب الكريم – مع الاحترام- انحرف بسلطته التشريعية لتحقيق منافع خاصة، ولا يجوز للمشرع أن يشرّع لنفسه، وللأسباب التالية:

  1. التشريع الذي يسن عن طريق البرلمان يتعين أن يستهدف المصلحة العامة، فإذا تغيا التشريع غير هذه المصلحة لكي يحقق مصلحة فردية أو مصلحة حزب من الأحزاب أو مجموعة من الأشخاص أو كان يستهدف الإضرار بفرد أو مجموعة أفراد بذواتهم أو فئة من الناس على غير ما تقتضيه المصلحة العامة، فإن التشريع في كل هذه الصور والحالات ينطوي على انحراف بالسلطة التشريعية، ولا يخفى على أحد بأن التعديلات التي أدخلها مجلس النواب على قانون الضمان الاجتماعي تهدف إلى تحقيق مكاسب شخصية للسادة النواب، وهذا يخرج التشريع عن إطار المصلحة العامة الجامعة. 
  2. عيب الانحراف بالسلطة التشريعية يتحقق عندما يتمتع المشرع بالسلطة التقديرية، فامتلاك السلطة التقديرية هو الذي يضع أمام المشرع العديد من البدائل والوسائل والخيارات والمشرع في استعماله لسلطته التقديرية في اختيار وترجيح أي من هذه الوسائل والبدائل والخيارات يتعين عليه أن يتغيا المصلحة العامة دون سواها، فإن هو انحراف عنها وتغيا غيرها، لَحِقَهُ عيب الانحراف في استعمال السلطة التشريعية، وسلطة المشرع (مجلس النواب) في تنظيم موضوع الاشتراك بالضمان الاجتماعي هي سلطة تقديرية وليست مقيّدة، الأمر الذي يجعل هذا العيب (عيب الانحراف بالسلطة التشريعية) متحققاً في هذه الحالة.
  3. إذا كان عيب الانحراف في استعمال السلطة التشريعية متعلقاً بالغاية من التشريع، فماذا كانت تستهدف تحقيق المصلحة العامة أم لا؟، فإن هذا العيب لا صلة له بالبواعث التي تدفع المشرع إلى سنّ تشريع معين في وقت معين أو عدم سنه، فتلك من الملاءمات المتروكة للمشرع والتي لا تخضع ولا يمكن أن تخضع للرقابة القضائية (دستورية أو غير دستورية)، فهذا يتعلق بالجانب السياسي في الحُكم وبأهداف الأحزاب أو التنظيمات السياسية وفلسفتها واتجاهاتها، فقد يكون هذا الحزب في الحكم اليوم وله فلسفة معينة تدعوه إلى اتجاه تشريعي معين، مثل ذلك يدخل في باب المواءمات والملاءمات التي لا تخضع لرقابة القضاء الدستوري.
  4. من المبادئ الدستورية المسلّمة، انه إذا خوّلَ الدستورُ المشرعَ العادي سلطةً تقديريةً لتنظيم مسالة ما (حقاً كانت أم واجباً) فيجب ألّا ينحرف المشرع عن الغرض الذي قصد إليه الدستور وهو كفالة ممارسة هذه الأمور في حدودها الموضوعية، من ثم، إذا أصدر تشريعاً يتعارض مع هذه المبادئ كان هذا التشريع باطلاً لما ينطوي عليه من انحراف في استعمال السلطة التشريعية.

إن الهدف من قانون الضمان الاجتماعي هو توفير تأمين  للطبقة العاملة حتى يجد العامل أو الموظف  ما يكفيه عند تقاعده في سن متأخرة من العمر، فلا يجوز أن تأخذ الدولة خير العامل في مقتبل العمر وتتركه نهباً للظروف في نهاية عمره لا يجد ما يسد رمقه أو يكفيه على تدبّر شؤون حياته، فالنائب يمثّل الأمة في الأعراف الدستورية العالمية وما ينبغي أن يكون  موظفاً أو عاملاً  (ليس لديه رب عمل) أو يعامل على أساس ذلك .. في الضمان الاجتماعي أو غيره ..!!

إن غاية التشريع تخضع لرقابة القضاء الدستوري (المحكمة الدستورية)، فإذا انحرف المشرع عن هذه الغاية (المصلحة الوطنية الجامعة) إلى غايات أخرى بجانب هذه المصلحة (وهي المصلحة الخاصة للسادة النواب)، فإن تصرفه ذلك يَسمُه بمَيسمِ الانحرافِ بسلطة التشريع لغير ما وضعت له، ويجعل هذا القانون غير دستوري.





زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق