‏هكذا تُدار جامعاتنا..

حسين الرواشدة

قبل أن تتسابق جامعاتنا لانتزاع «رقم» في جدول التصنيفات العالمية، الأجدر ان نسأل إداراتها عما حققته من إنجازات على الصعيد الوطني، هل تراجع التعليم فيها أم تقدم، كيف تتعامل مع أساتذتها وطلابها والعاملين فيها، ما علاقتها مع مجتمعها، وما الخدمات التي تقدمها له؟

أن نسألهم بصراحة، أيضا، كيف تم اختيارهم، وعلى اي اساس يجري التمديد لبعضهم، ثم من المسؤول عن اوضاع جامعاتهم المالية المتردية، والإجراءات والقرارات الإدارية التي حولتها إلى «ملاذات آمنة « لأصحاب الواسطات، وطاردة للكفاءات، وعن مناهجها التدريسية النظرية التي اختزلت دورها كمجرد «مطبعة» لتوزيع الشهادات المنزوعة من العلم والمهارات ؟

لا أعمم، بالطبع، فثمة إنجازات (متناثرة ) هنا وهناك لبعض جامعاتنا، لكن الحالة العامة لا تعكسها هذه الاستثناءات، ولا فزعة الهروب للتصنيفات العالمية، على أهميتها، بقدر ما تعكسها إنجازات الجامعة الحقيقية داخل اسوارها، وفي محيطها الاجتماعي، للأسف أسوار معظم جامعاتنا عالية، وبوابتها مغلقة أمام المجتمع، وإدارتها نزلت احيانا بالبراشوت، والطلاب فيها مجرد رعايا ما زالوا غير قادرين على انتخاب مجالسهم الطلابية، أو ممارسة نشاطاتهم السياسية، الأساتذة، أيضا، يخضعون لرقابة تجعل سقوف حرياتهم الأكاديمية اقصر بكثير من امكانياتهم وإبداعاتهم، بعضهم هرب واغترب، فيما بعضهم الآخر «يتبرطع « بالترقيات والامتيازات، لانه يعرف «من أين تؤكل الكتف «.

اذا ً، كيف تُدار جامعاتنا ؟ الملف مزدحم بالقصص والتجاوزات والأخطاء، أشير فقط لنموذج واحد على عجل، دون الدخول بالتفاصيل (أكيد أن المسؤولين بالتعليم العالي يعرفونها واكثر)، أحد رؤساء الجامعات سجل رقما قياسيا بعدد السفريات للخارج، سواء لحضور مؤتمرات او لغيرها، وبقيمة المياومات التي تقاضاها أيضا، إحدى الزيارات استمرت نحو شهرين لضمان تجديد إقامته هناك، الرئيس ذاته لا تتجاوز ساعات دوامه أربع ساعات يوميا، فيما لا تسأل عن عدد الرسائل الجامعية التي شارك في مناقشتها، على حساب دوامه بالجامعة، مقابل ذلك تعمد أن يجمّد أهم مشروع استراتيجي في الجامعة، واختص لنفسه مستشارين اثنين يحركان، بالنيابة عنه، بوصلة القرارات بالجامعة وفق ما يرغبان.

بصراحة، هكذا تُدار بعض جامعاتنا، عن بعد احيانا، وبكبسة زر احيانا اخرى، ولهذا لا يجوز ان تفاجئنا النتائج والمخرجات، فما زرعناه في «تربة» التعليم العالي والجامعات نحصده اليوم، ابتداء من التعيينات العشوائية التي غالبا ما تنزل بدعاء «ليلة القدر»، الى منطق تأسيس الجامعات «المناطقية» الذي اعتمدناه لحل مشكلة البطالة لا لتنمية المجتمعات بالعلم والمعرفة والتعارف، فتحولت بموجبه الى اقطاعيات للتوظيف والتنفيع، وبيئات مغلقة ازدهرت فيها الهويات الفرعية، وصولا الى نظام الخاوات الاجتماعي الذي اصبح قانونا لادارة المؤسسات، وكلها افرزت جامعات مشوّهة ومفلسة، وأسوارا وبنايات عالية، لا علاقة لها بالعلم والتعليم الحقيقي، ولا بتنمية المجتمع ولا بإصلاحه.

اعادة الجامعة الى مكانتها المعتبرة يتطلب اختيار ادارات جامعية كفؤة وذات خبرة ( ليتها تكون منتخبة ) تستطيع ان تبني جامعات على اساس «القيمة « الحقيقية للعلم لا للشهادة، وللحرم «الاخلاقي» الجامعي، لا للاسوار العالية التي تحجب الهواء النظيف، وتمنع تنفس الحرية، وللنظام العام القائم على الاحترام والعدالة والانضباط العلمي، لا على التعيينات المنزوعة من معايير الكفاءة، او التعليم بمنطق التلقين والجباية، او الإنجازات الوهمية التي سرعان ما تنكشف، او على اساس « اضرب واهرب» للحصول على امتيازات ورواتب ومسمى « رئيس «، مجرد اسم، بلا أي إنجازات.






زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق