طلاب “المكرمة” وعدم الانتماء للأحزاب

أ. د. ليث نصراوين

أثمرت الجهود الوطنية في مجال التحديث السياسي عن إقرار جملة من التشريعات ذات الطبيعة السياسية، في مقدمتها قانونا الأحزاب السياسية والانتخاب لعام 2022، اللذان تضمنا نصوصا قانونية تدفع نحو تعزيز المشاركة السياسية، وتمكين الشباب من الخروج من حالة العزلة التي يعانون منها نحو الانفتاح السياسي والاجتماعي، وتنمية قدراتهم ودعم ابداعاتهم وابتكاراتهم.

وقد تجسدت الرغبة الوطنية في إدماج الشباب الأردني في المشاركة السياسية في قانون الأحزاب السياسية الجديد، الذي احتوى العديد من الأحكام التي من شأنها أن تبدد هواجس الشباب ومخاوفهم من العمل الحزبي، أهمها المادة (4) التي تحظر التعرّض لطلبة مؤسسات التعليم العالي بسبب انتمائهم الحزبي. كما يعطي القانون الجديد الحق لكل من وقع عليه تعرّضا بسبب انتمائه الحزبي بأن يلجأ إلى المحاكم المختصة لرفع الاعتداء عنه، مع المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي لحق به.

كما كرست المادة (20) من قانون الأحزاب السياسية الحق لطلبة مؤسسات التعليم العالي الأعضاء في الحزب السياسي بممارسة الأنشطة الحزبية داخل حرم تلك المؤسسات من دون أي تضييق أو مساس بحقوقهم، على أن يصدر نظام خاص ينظم هذه الأنشطة. وعلى الرغم من مرور أكثر من ستة أشهر على نفاذ القانون الجديد، إلا أن نظام تنظيم ممارسة العمل الحزبي في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي ما زال حبيس الأدراج الحكومية، ولم ير النور بعد.

من النقاط الإيجابية في قانون الأحزاب السياسية ذات الصلة بتمكين الشباب، أنه قد اشترط في الحزب السياسي أن يضم في عضويته ما نسبته (20%) من فئة الشباب والنسبة ذاتها من السيدات، وبما يتوافق مع الحكم المستحدث في قانون الانتخاب، بأن يكون المترشح الثالث في القائمة الحزبية الوطنية إمراة، والمترشح الخامس من فئة الشباب.

إلا أن تطبيق هذه القوانين السياسية الخاصة بتمكين الشباب يواجهه جملة من التحديات التشريعية، أبرزها وجود قوانين وأنظمة وطنية نافذة تتعارض معها، ومع توجهات الدولة الأردنية في مئويتها الثانية نحو إطلاق العمل السياسي وتشجيع طلبة الجامعات على خوض غمار النشاط الحزبي.

ويأتي في مقدمة هذه التشريعات التي تتعارض مع النصوص المستحدثة في قانوني الأحزاب السياسية والانتخاب، نظام البعثات الدراسية في الجامعات وكليات المجتمع الأردنية لأبناء ضباط وأفراد القوات المسلحة الأردنية رقم (80) لسنة 1980. فهذا النظام يُعطي الحق لأبناء أفراد القوات المسلحة والأمن العام والمخابرات العامة وأبناء المتقاعدين العسكريين منهم، بأن يتم إيفادهم للدراسة على نفقة القوات المسلحة في كافة التخصصات والدرجات العلمية. ويتسع نطاق الاستفادة من هذا النظام ليشمل عشرات الآلاف من الطلبة سنويا، الذين يلتحقون بمؤسسات التعليم العالي كمكرمة ملكية قدمها المغفور له الحسين بن طلال طيب الله ثراه إلى نشامى الأجهزة العسكرية والأمنية.

ويبقى اللافت في هذا النظام حكم المادة (18) منه التي تقرر حالات معينة لإنهاء بعثة طالب المكرمة، والتي من أهمها “إذا انتمى إلى أي حزب أو قام بأي نشاط سياسي لا يتفق ومصلحة المملكة وسياستها العليا، وثبت ذلك بموجب تقرير من الجهات الأمنية أو الجامعة أو الكلية المبعوث إليها”. فهذا القيد على طلاب المكرمة بعدم الانتماء للأحزاب السياسية يشكل تعارضا واضحا وصريحا مع الرؤى الملكية السامية بدعوة الشباب إلى الانخراط بالعمل الحزبي، وأن يسهموا في عملية التغيير والتحديث باعتبارهم الشريحة الأكبر في المجتمع.

وقد جرى تضمين هذا القيد التشريعي على طلاب المكرمة بعدم العضوية في أي حزب سياسي في نموذج العقد الخاص بالمبعوثين للدراسة في الجامعات وكلية المجتمع الأردنية الذي يقوم طالب المكرمة بتوقيعه مع القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية. كما تم النص عليه صراحة في التعهد الخطي الذي يقوم الطالب بتوقيعه، والذي يقضي بإنهاء بعثته الدراسية في حال انتمائه إلى أي حزب سياسي.

إن قيادة الجيش الأردني والأجهزة الأمنية من المؤسسات الوطنية التي نزهو بها ونفخر بصدق انتماء منتسبيها، حيث وصفهم جلالة الملك في خطبة العرش الأخيرة بأنهم “الأصدق قولا والأخلص عملا”. فهم الأقرب إلى قلب القائد والأكثر حرصا على تحقيق رغباته وتطلعاته في الانتقال بالشباب الأردني من محطة الاحباط والكسل إلى العمل والبناء خدمة للوطن وتقدمه.

وعليه، فإن الحاجة ماسة اليوم إلى أن تبادر الحكومة إلى تعديل نظام البعثات الدراسية لعام 1980 لصالح إلغاء القيد المفروض على طلاب المكرمة الملكية من الانتساب للأحزاب، وذلك بما يحقق الأهداف المرجوة من التحديث السياسي، ويُسهم في تمكين الشباب وتحفيزهم على المشاركة السياسية.





هلا اخبار عبر اخبار جوجل
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق