الجريمة بين الدوافع وتطور النمط.. دعوات لإعادة النظر بالجانب الوقائي

هلا أخبار – شهد المجتمع الأردني خلال السنوات الاخيرة انماطا غريبة من الجرائم والانحرافات وخارجة عن منظومته الاجتماعية والثقافية نظمه وتنظيماته الاجتماعية الثقافية، بحسب مختصين .

ورغم غرابة الفعل والفاعل، إلا أن رد الفعل الاجتماعي القوي، بحسب ما يقول هؤلاء المختصون لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، مؤشر صادق على قوة المجتمع وحيوية قيمه ومعاييره الاجتماعية ومخزوناته الاخلاقية الضابطة.

استاذ علم الاجتماع الجنائي الدكتور صبري ربيحات يشير الى بشاعة الجرائم التي ترتكب ونتداول اخبارها الا ان هذه البشاعة كانت أحيانا باعثا على التقزز ، لافتا الى أمثلة من هذه الجرائم بحق المقربين جدا من القاتل أو من خارج دائرة القرابة، وهي جرائم وإن اختلفت أسبابها ودوافعها إلا أنها تظل من باب اشباع ميول همجية بربرية.

واضاف، ما نحن بصدده اليوم هو حجم الوعي بالجريمة وتداول اخبارها على نطاق أوسع بفضل وسائل الاتصال التي أتاحت انتشار الخبر بسرعة فائقة بين جميع أفراد المجتمع، مشيرا الى أن المشكلة في أيامنا هذه اننا تحولنا جميعا الى قضاة وشرطة وصحفيين ومشرعين لذا خلقنا حالة من القلق والخوف والتذمر الذي يضيف الى معاناتنا.

وأشار ربيحات الى تبعات وتداعيات الغربة والتهميش والإحباط ما قد يكون أحيانا سببا لضعاف النفوس للاعتداء على الآخرين بلا ذنب اقترفوه، داعيا الى إعادة تنظيم وبناء المجتمعات المحلية لتنهض بوظائف الإعداد والتنشئة والرقابة والضبط والإصلاح لسلوك الافراد وللوقاية والمنع والمعالجة لأوضاع قد تؤدي إلى الجرائم .

أستاذ علم الاجتماع والفكر التنموي الدكتور سالم ساري بين ان الجريمة الجريمة تحدث في جميع المجتمعات دون استثناء، وبأشكال مختلفة، وترد عليها المجتمعات ذات الثقافات المختلفة بردود مختلفة الحدة والخطورة طبقا لتعريفاتها القانونية وتصنيفاتها المعيارية، لدرجة يكون فيها رد الفعل الاجتماعي (الثقافي) هو العامل الحاسم في التعريف والتصنيف والتأطير.

واضاف، ان العقل الجمعي عندنا كثيرا ما يجد صعوبة في الفهم والتفسير للفعل الاجرامي، وكثيرا ما يراوغ في التقدير و التبرير لفاعله، فنلاحظ انه ليس المجتمع فقط وانما الباحثون الاجتماعيون ايضا، يرون في الفقر والبطالة والظروف الاقتصادية الصعبة، وارتفاع الاسعار وصعوبة المعيشة، اسباباً مباشرة للعنف، فيما يرى آخرون في اختلاط القيم وتغيّر المعايير، وخلل التنشئة الاجتماعية ، وتفاقم حالات الطلاق والتفكك الاسري، اسباباً رئيسية أخرى.

وأكد ساري ضرورة الاعتراف أن هذه وتلك يمكن ان تكون اسبابا في بعض الحالات لكنها ليست كافية للتفسير، ذلك أن الأهم هو مبررات الفعل والفاعل، مشيرا الى احتمال بروز أنماط اخرى مستجدة متوقعة ربما اكثر غرابة وتنظيماً وإثارة تستلزم دراسة وقائية مسبقة.

واشار الى انه وبتفحص اكبر ، يمكن لأي باحث رؤية أن هذه الأنماط المستجدة من الجرائم والانحرافات التي يشهدها مجتمعنا اليوم هي أنماط لا تقع بعيداً عن بناء مجتمعنا وما تطوّر وتراكم في نظمه الاجتماعية الثقافية، وتنظيماته الاقتصادية لكنها كامنة في إ إشكالية التوتر المجتمعي المحيط بالمعاملات والعلاقات والتفاعلات لكل أفراده يجد الباحث مؤشراتها في ما يسيطر على مجتمعنا من اشكالية اللايقين، او عدم التأكد من أي شيء، وعدم السيطرة على أي شيء، واحساس متزايد لأفراده (خاصة الشباب) بالاغتراب.

من جانبه قال محامي الجنايات الكبرى وأمن الدولة وسام عادل جباعته ان القتل العمد مع سبق الاصرار والترصد ” هو اخطر انواع القتل ونظرا لوجود الظرف المشدد فقد اقر المشرع لها عقوبة الاعدام حسب نص المادة [328/ 1 ] من قانون العقوبات الاردني، مشيرا الى أن الأردن طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

وبين جباعته انه ينبثق عن هذه الاتفاقية الدولية البروتوكول الاختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية والذي اعتمدته الجمعية العامة للامم المتحدة بتاريخ 15121989 وينص على الغاء عقوبة الاعدام نهائيا حيث يبلغ عدد الدول الاطراف في هذا البروتوكول الاختياري حتى يومنا هذا 81 دولة منها الاردن.

واشار الى ان عدد المحكومين الصادر بحقهم احكام تصل عقوبتها الى الاعدام يبلغ حوالي 240 شخصا منذ العام 1978 ولغاية الآن ، الا ان حكم الاعدام لم يطبق الا بالقضايا الماسة بأمن الدولة .

بدورها قالت خبيرة العنف المبني على النوع الاجتماعي خولة الحسن ان الجريمة لم تكن في يوم من الايام منسوبة لفئة معينة دون غيرها، إلا إن هناك بعض المؤشرات التي يمكن ان تتنبأ بوقوع أنماط معينة من السلوك الاجرامي في ظل وجود دوافع و مثيرات على شكل استجابات لضغوط اجتماعية ونفسية واقتصادية او حتى شخصية، لافتة الى ان المجتمع الاردني بدأ يشهد جرائم نوعية غير مسبوقة بطريقة تنفيذها .

واضافت، لا يمكن تحليل الجريمة بمنأى عن السياق الاجتماعي, فانطلاقا من المنظور العقلاني بأن السلوك الاجرامي نابع من الارادة الحرة والدوافع العقلانية متزامنة مع وجود ضبط ذات منخفض ووسائل مشروعة غير متاحة لتحقيق الاهداف، بالاضافة الى وجود سياق اجتماعي بمكانات اقتصادية متدنية، وحراك سكاني وتنوع ثقافي وعائلات مفككة جميعها تسهل كل الدوافع الاجرامية حيث تؤثر هذه العوامل على روابط الأفراد بمؤسسات الضبط الاجتماعي التقليدية المتمثلة بالأسرة والمجتمع والدين والقانون، ومستوى مراقبة المجتمع المحلي والقدرة على توضيح وتحقيق الاهداف المجتمعية.

وتابعت كما ان معدلات الجريمة تدل بصورة رئيسية على الاماكن الاجتماعية التي تعاني من خلل مجتمعي وتأثير الضبط الاجتماعي وفرص الجريمة، حيث تنتج هذه الاماكن الجناة وتجمعهم مع الضحايا في نفس المكان والزمان، وهذا من شأنه ان يدعو الى اعادة النظر في الجانب الوقائي المتمثل في تعزيز مهارات حل المشكلات الاسرية سواء بين الزوجين او افراد الاسرة وتمكين فئة الشباب والمقبلين على الزواج من التعامل مع الخلافات العائلية وحل المشكلات بطرق عقلانية بعيدا عن العنف .

واكدت على انه يجب التركيز على الصحة النفسية وطرق ضبط الذات عن التعرض لمشاكل اجتماعية او اقتصادية او عاطفية، كما يستدعي أيضاً وجود جهات متابعة وتحقيق عند تلقي التهديدات سواء بالقتل أو الايذاء أو نشر الخصوصيات في الفضاء الالكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، بالاضافة إلى الجانب الاجرائي المتمثل في تنفيذ العقوبات المتعلقة بمرتكبي جرائم القتل لتحقيق مبدأ الردع العام حيث لم يتم تنفيذ احكام الاعدام بحق العديد من المحكومين، عدا عن الجانب التوعوي والارشادي والدعم النفسي والقانوني الذي ينبغي أن يكون مجاني ومتاح وسهل الوصول اليه من قبل كافة الشرائح المحتمل أن تكون معرضة للعنف.

واشارت الحسن إلى التقرير الاحصائي الجنائي الصادر عن ادارة المعلومات الجنائية/ مديرية الأمن العام للعام 2021 حيث انتهى إلى أن الخلافات الشخصية سواء الحالية او السابقة استحوذت على النسبة الاعلى في مؤشر دافع الجريمة تليها الخلافات العائلية وشكلت ما نسبته حوالي 73% من النسبة الاجمالية ما يدل على غياب لغة الحوار بين الافراد في الاسرة والمجتمع، وضعف اساليب التنشئة الاجتماعية المبنية على الاحترام وقبول الرأي الآخر والامتثال للقيم الانسانية والاخلاقية.

وبينت انه وبتفحص مؤشر اداة الجريمة فقد احتلت الأدوات الحادة النسبة الاعلى تليها الاسلحة النارية حيث شكلت مجتمعة ما نسبته 61,1% من الادوات المستخدمة لتنفيذ الجريمة ما يتطلب ايلاء مسألة انتشار الاسلحة النارية والادوات الحادة اهتماما كبيرا خاصة عندما يكون السلاح متاحا للفئة العمرية بين 18-37سنة وذلك من خلال تغليظ العقوبات على حمل السلاح دون ترخيص وتشديد اجراءات ترخيص الاسلحة وتكثيف الرقابة على نشاط بيع الاسلحة في السوق السوداء.

يشار الى انه وبحسب التقرير السنوي الصادر عن مديرية الأمن العام ، لعام 2021 انخفض عدد الجرائم المرتكبة في البلاد في العام نفسه بنسبة 5.39 بالمئة، مقارنةً بعام 2020، مقابل ارتفاع معدل جرائم المخدرات والجرائم الواقعة على الأموال. (بترا)





هلا اخبار عبر اخبار جوجل
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق