حديث في العملة الرقمية
نضال الوقفي

أعلن البنك المركزي مؤخرا أنه يدرس إصدار عملة رقمية، وبمناسبة الحديث عن العملة الرقمية فإن المقصود بها هنا يختلف عن مفهوم العملات الافتراضية المشفرة، من عدة أوجه، منها، أنها تصدر عن البنك المركزي للدولة، و بصدورها عنه، فإنها تخضع لرقابته في كيفية التعامل بها، وتكون مدعومة منه لجهة قيمتها، فضلا عن كونها تحمل رقما متسلسلا كالعملة الورقية.
والعملة الرقمية التي تصدرها البنوك المركزية لها إيجابيات اقتصادية متعددة، فهي تتميز بمرونتها المالية في النشاطات الاقتصادية، و تعزز عملية المدفوعات المباشرة المراقبة من قبل البنك المركزي المصدر لهذه العملة.
وتأتي العملة الرقمية لتضيف على دورها الاقتصادي ميزة الحد من التهرب الضريبي، بما يعنيه ذلك من انعكاسات اقتصادية إيجابية لتسريع عجلة الاقتصاد، فضلا عن دورها في مكافحة غسيل الأموال، ناهيك عن أثرها الإيجابي في زيادة انتشار الشمول المالي اجتماعيا.
إلا أن من الضرورة بمكان أن يؤخذ بعين الاعتبار أنه حتى تؤتي عملية إصدار العملة الرقمية أكلها، ملاحظة توفر جملة من الجوانب الداخلية والخارجية، تتمثل في شقها الداخلي، بسماح الحالة الاقتصادية للدولة بإصدارها؛ بمعنى دراسة حجم الطلب المتوقع حدوثه على هذه العملة طبقا للوضع الاقتصادي للدولة، بهدف تحقيق عامل الدعم لهذه العملة دون حدوث إرهاق مالي للبنك المركزي الداعم لقيمتها. إضافة إلى ضرورة توفر رؤية اقتصادية واضحة المعالم تأخذ بالحسبان إصدار عملة رقمية.
وخارجيا فإن توفر حالة من الاستقرار الاقتصادي عالميا، يعتبر أمرا مطلوبا للحد من المتغيرات الخارجية التي يمكن أن تواجه العملة الرقمية وتؤثر على الاقتصاد الداخلي للدولة، في الوقت الذي تشهد فيه العديد من الاقتصاديات الكبرى راهنا تبعات اقتصادية سلبية أسهمت بها جائحة كورونا، كزيادة معدلات التضخم، بما يشكله ذلك من انعكاس سلبي على الاقتصاد العالمي، وارتفاع أسعار السلع؛ بسبب الطلب المتنامي عليها، عقب فترات الإغلاق التي جرت في العديد من الدول في عام 2020 لمواجهة الجائحة، وما أتبع ذلك من أثر صعودي لجهة كلف الشحن، فض?ا عن الانعكاسات السلبية للجائحة على صعيد صناعة أشباه الموصلات، وما ترتب على ذلك من انعكاسات على العديد من الصناعات الأخرى. ناهيك عن ارتفاع أسعار النفط.
وبشكل عام فإن الحصافة التي يتمتع بها البنك المركزي الأردني، وقدرته على تعظيم احتياطياته، وحسن تعامله مع المتغيرات الاقتصادية التي واجهها الاقتصاد الوطني، بشكل كفل المحافظة على سعر صرف الدينار، ومنها على سبيل المثال لا الحصر الأزمة المالية العالمية في العام 2008، توجد بدورها الثقة المطلوبة بحسن قدرة البنك المركزي على اتخاذ القرار الصائب بإصدار عملة رقمية من عدمه، وفي الوقت المناسب لذلك أيضا.
الرأي