سُدوا الفُرَج
أ. د. وليد عبد الحي

من بين ثغرات السلوك السياسي تاريخيا ، يمثل العجز عن مغادرة ادران التاريخ القديم او الحديث احداها، وعدم القدرة على مغادرة رواسب نقاط الالتباس في العلاقات الدولية.
ويبدو ان قوى التحرر العربي في فلسطين ولبنان وسوريا لم تدرك خطورة هذه الظاهرة، فالخلافات التي نشبت بين هذه القوى بسبب الربيع العربي وتداعياته تغوي الخصوم على توظيف هذه الظاهرة ، وهو الامر الذي لاحت ساريته في الاسبوع الماضي خلال زيارة وفد فلسطيني مقاوم الى بيروت دون ان يجد الترحاب المتوخى، وهو ما يشكل تدرنا في جسد قوى التحرر العربي.
ذلك يستدعي عددا من الاجراءات من قبل هذه القوى او ممن يقف بجوارهم في صف التحرر، وأول هذه الاجراءات تأجيل البحث في اسباب الخلاف الى حين الاتفاق على لقاءات تقود الى اعادة رص الصفوف وسد الفُرج، ولا شك ان ظاهرة المراجعة للمواقف بين المتحالفين هي ظاهرة تاريخية عرفتها كل النظم السياسية بكافة اشكالها، لكن الهدف الاهم هو بقاء التحالف وادارة التنازع بين المتحالفين من خلال تغليب الاستراتيجي على التكتيكي.
لا يخفى على الدارس لظواهر العلاقات الاقليمية في منطقتنا ان هناك ورم في جسد قوى التحرر لا بد من معالجته قبل يُؤكل الثور الاسود والابيض.
واعتقد ان الخطوة الاستراتيجية لتحقيق ذلك يجب ان يتم من خلال مساعِ حميدة(Good Office ) تقوم بها قوى حريصة على قوى التحرر العربية، لذا ارى أن جبهة التحرير الوطني الجزائرية هي الأكثر تأهيلا للقيام بهذه المساعي نظرا للاحترام الكبير والعلاقات الودية للغاية بين الجزائر وقوى التحرر العربي في سوريا ولبنان وفلسطين، وعليها أن تحاول بكل ما نعرفه عن الدبلوماسية الجزائرية من ذكاء إدارة مثل هذه الالتباسات بعيدا عن الاضواء وعن مستنقعات الخلافات العربية الأخرى.
إن الاحتقان الذي يتزايد في المنطقة لاسباب محلية واقليمية ودولية يستدعي تعزيز النزعة العقلانية والابتعاد التام عن ” دبلوماسية الكيد ونزق ردات الفعل ” من هذا المسؤول وذاك، ان الخلاف في العلاقات الدولية بين الحلفاء هي كما اشرت ظاهرة طبيعية عليها مئات الامثلة، لكن الذكاء الدبلوماسي يستوجب لقاء الحلفاء لاعادة رسم قواعد التحالف من ناحية وايلاء اهتمام أكبر لقواعد إدارة التحالف لكي لا يلدغ المؤمن من الجحر مرتين من ناحية ثانية…وان أي معالجة علنية للندب في وجه تحالف قوى التحرر والمقاومة العربية سيقود لمزيد من التعقيد، ولي في جبهة التحريرالوطني وكوادرها ذات الخبرة من زمن الثورة الجزائرية كل الثقة بانها قادرة على اداء هذه المهمة، وعلى قوى التحرر والمقاومة ان يترفعوا عن نرجسية الفروق الصغيرة لكي لا نشاهد ما شاهدناه في الاسبوع الاخير في بيروت من “مكايدة” عكستها بعض اللقاءات التي لا وزن لبعض اطرافها في معادلة القوى الاقليمية، ولكن ما زال لمدرسة المكايدة العربية تلاميذها…فهل تقوم جبهة التحرير بهذه المهمة؟ سؤال اتمنى ان لا يبقى معلقا لفترة طويلة..