النووي الإيراني… وسباق النفس الطويل
الدكتور عبدالمهدي القطامين

منذ انطلق الحوار النووي الإيراني الأمريكي الغربي وانا اتابع مجرياته ومراحله المتعددة ما يلفت الانتباه في الموضوع كله هو هذا النفس الإيراني الطويل الهاديء الذي تميز به الوفد الإيراني في كافة مراحل التفاوض وسياسة ضبط النفس والوصول الى قمة الهاوية ثم التراجع عنها هي سياسة دولية جديدة في المنطقة وتحتاج الى صبر واناة في تفصيل مفرداتها والوقوف على حيثياتها وهي تكاد تشكل مدرسة في التفاوض الدولي على العرب ان يستفيدوا منها في مفاوضاتهم الطويلة أيضا مع العدو التاريخي للامة الكيان الصهيوني
وما يلفت الانتباه في التفاوض الإيراني هو قدرته على إدارة دفة التفاوض وفق ما ترتأيه مصلحة النظام الإيراني على الرغم من ان كافة القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية وعدم الاستكانة الى مخرجات التفاوض فيران وهي تفاوض تعمل بصمت على تسريع مشروعها النووي لأنها تدرك انه الملجأ الأخير لها وانه السلاح الوحيد القادر على إيجاد الردع الحقيقي في وجه أي محاولة إسرائيلية للاعتداء عليها وفي محاولة صد أي عدوان خارجي ومن أي طرف وإيقافه قبل حتى ان يتم التفكير فيه .
سباق المسافات الطويلة نحو الوصول الى النووي الرادع وقف العرب يتفرجون عليه ملقين بكل ثقلهم الى الجانب الأمريكي والإسرائيلي فهمهم الوحيد هو ان لا تمتلك ايران هذا السلاح حتى وهم يرون ترسانة إسرائيل النووية التي وصلت الى مخزون ضخم بمعرفة العالم كله وحليفتها أمريكا ومع ذلك ما زالت إسرائيل لا تفصح علانية عن امتلاكها مثل هذا السلاح وهو جزء من حربها النفسية تجاه شعوب المنطقة ودولها وهي سياسة تعتمد على ترك الجميع في مجهول يخوف دون ان يستعمل ، يتنبأ به ولكن دون مرحلة التيقن .
ما الذي يجعل العرب عازفين وعاجزين عن امتلاك السلاح النووي ليكون سلاح ردع على الأقل ولماذا يخبئون رؤوسهم في رمال التيه العربي بحثا عن امن لن يجدونه حتى ولو كان في حضن إسرائيل الذي بات دافئا هذه الأيام للعديد من العرب المتيمين بالنموذج الإسرائيلي ليس محبة فيه ولكن خوفا من ايران ولماذا ظلت امة العرب في عصرها الحديث عالة على الغرب وعلى أمريكا وعلى دول اوروبا في الحصول على أسلحتهم التي تمنح وفق شروط قاسية ومذلة في اغلب الأحيان ولماذا يظل العرب بكل دولهم ونياشينهم على مائدة اللئام بحثا عن الأمان ولماذا تظل استراتيجيهم فقط الحيلولة دون حصول ايران على النووي وغض الطرف عن ترسانة العدو القريب المغتصب والذي بات لا يحفل حتى بأمه الروحية أمريكا التي تمنحه اكسجين الحياة ليظل ويبقى ويتمدد .
قبل يومين التقى مذيع الجزيرة علي الظفيري في برنامج المقابلة مع توماس فريدمان الصحفي الأمريكي الصهيوني الأكثر شهرة في أمريكا وسأله بقوله : يتهمك البعض انك موال لإسرائيل في ما تكتب وتنظر لها بوصفها الدولة الأكثر ديموقراطية في المنطقة فرد توماس : هذا ليس اتهام هذا حقيقة واقعة …. وهذا دفعني الى التساؤل لماذا لا نكون صريحين فيما يتعلق بإسرائيل ونقول نعم انها العدو الأول والأخير لنا وهذا التساؤل موجه لمفكري الامة وكتابها وصحفييها وقادتها بدلا من الوقوف في المرحلة الوسطى ما بين الحب والكره وترك الباب مواربا على كل الاحتمالات .
بتنا في هذا الشرق نخاف كثيرا عن الإفصاح عما يجول في خواطرنا ونبحث عن عدو جديد في كل مرة متناسين ان العدو الحقيقي ينام في ساحة البيت الخلفية ويخطط ويناور وينفذ ويقاتل ويهاجم ثم نقلب انظارنا شرقا وغربا كي لا نراه .
لقد اصبحنا بؤساء هذا العالم ….. اليس كذلك ؟