الأردن: لن تزيده التحديات إلا قوة

كتب: خالد دلال

لا يخفى على أحد حجم التحديات الجسام التي واجهها الأردن عبر تاريخه، والتي تعاظمت خلال السنتين الماضيتين، منذ أن ضرب وباء كورونا الشرس العالم وشل مناحي الحياة لشعوب الأرض ودولها، إلا أن النتيجة واحدة: وهي أن الوطن، بقيادته وبشعبه، تجاوز التحدي تلو الآخر، ليثبت قوة الدولة، التي تدخل مئويتها الثانية بثقة ومنعة واستشراف للمستقبل.
فمن مواجهة تحديات الوباء العنيد والخروج من معركة الحياة والموت بأقل الأضرار، إلى الدعم الثابت لحقوق الشعب الفلسطيني التاريخية وعروبة القدس ورفض صفقة القرن المجحفة التي ولت بلا رجعة، إلى وأد ما بات يعرف بقضية الفتنة وسط تأييد إقليمي ودولي عز نظيره، إلى مواجهة ظروف اقتصادية قد تكون من الأصعب في تاريخ الدولة، إلى التعامل بكل ثقة ومهنية مؤخرا مع الادعاءات الباطلة وافتراءات ما بات يعرف بـ"وثائق باندورا" إلى غيرها، يثبت الأردن أنه القوي في التعامل مع مختلف التحديات، والقادر على الخروج منها أقوى مما كان.
والأمر لا يتوقف هنا فقط. فالإرادة العالية لقيادة الوطن، والمضي بالإصلاح السياسي نهج حياة، والذي كان من نتائجه تسلم جلالة الملك عبدالله الثاني، مؤخرا، تقرير اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، ليؤكد وقتها: "أن هذه المنظومة تشكل مرحلة جديدة ومفصلية ضمن مسارات تحديث الدولة في مطلع مئويتها الثانية، والتي تمضي بشكل متواز مع الإصلاحات الاقتصادية والإدارية التي تعمل الحكومة على تنفيذها"، تثبت أن الأردن يدخل مرحلة الإصلاح الشامل، الذي لا يتوقف عند مرحلة معينة، بل هو وكما قال جلالته، خلال اللقاء ذاته مع رئيس وأعضاء اللجنة الملكية: "يعبر عن إرادة سياسية ومصلحة وطنية، بما يعزز الهوية الجامعة ومسيرة التنمية والتحديث". وإن كان الإصلاح السياسي عنوان المرحلة، فالتأكيد المستمر للقيادة على حتمية تلازمه مع الإصلاح الاقتصادي والإداري، وكان آخرها خلال لقاء جلالته مع رؤساء وزراء ووزراء سابقين، لهو تعبير عن شمولية النظرة، وصولا إلى النتائج التي تصب في محصلتها في خدمة تطلعات المواطن إلى غد أفضل.
أما على مستوى المنطقة والعالم، فالتحركات على مختلف الجبهات للدبلوماسية الأردنية، والهادفة إلى كسب التأييد والدعم لمواقف وسياسات وقضايا الأردن في المنطقة والعالم، تؤشر إلى تكاملية الصورة التي تسعى القيادة إلى بنائها بما يصب في حماية المصالح الوطنية العليا. ولنا هنا أن ننظر إلى حقيقة كون جلالته أول زعيم عربي يستقبله الرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض، والذي عبر عن دعمه المطلق للأردن وقضاياه، إلى تفهم وتأييد عواصم القرار العالمي من موسكو إلى بكين إلى عواصم الاتحاد الأوروبي وغيرها إلى مواقف وسياسات المملكة. وهذا يأتي والأردن يتحرك بقوة في الإقليم، من شراكات شاملة مع بغداد والقاهرة، إلى مقاربات اقتصادية مع سورية ولبنان إلى زيارة ناجحة بكل المقاييس إلى الدوحة، نتج عنها توقيع "مذكرة تفاهم بين جهاز قطر للاستثمار وشركة إدارة الاستثمارات الحكومية الأردنية، لبناء شراكة استراتيجية بين البلدين"، إلى غير ذلك. وهذا يعني وببساطة، أن الأردن أضحى محورا مهما في المنطقة، ومحركا لمشهد الأحداث فيها، خصوصا بعد انقشاع غمامة الإدارة الأميركية السابقة، وسياساتها غير الحصيفة، عن سماء الإقليم، منتهجا مبدأ خدمة المصالح المشتركة مع الشعوب والدول.
والسؤال في المحصلة: ماذا يقودنا كل ما تقدم؟ إنه وبوضوح إلى خلاصة واحدة، وهي أن علينا جميعا الإيمان، فكرا وممارسة، أن وطنا بتاريخ الأردن الصلب، وقيادته الحكيمة، وشعبه الواعي، لن تزيده التحديات إلا قوة في مواجهتها والتغلب عليها. وما علينا إلا أن نؤمن أننا كنا وسنبقى دوما قادرين على ذلك. ولنعتبر فقط من قول نابليون بونابرت الشهير: "إن أفضل وسيلة للتغلب على الصعاب اختراقها". وقد نجح الأردن، وارث الثورة العربية الكبرى، في ذلك عبر تاريخه، وسيستمر في ذلك مستقبلا رغم كيد الأعداء وتتابع الحملات كلما خط الوطن قصة نجاح يشار إليها بالبنان داخليا وخارجيا.

الغد





زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق