حصانة المسؤول

سلامة الدرعاوي

ما حدث في مستشفى البشير قبل أيام وقبله في مستشفى السلط وغيرها من الممارسات اليوميّة التي تحدث في المستشفيات من ترهل إداري فاحش هو ليس محصورا بالقطاع الصحي فقط، للأسف غالبية القطاعات التي كان الأردن يحتل الصدارة فيها من صحة وتعليم وإدارة باتت هي الأخرى في تراجع كبير، وإخفاق يدفع ثمنه المواطن اليوم.
ما حصل في تلك الساعات هو ناتج عن سبب رئيسي وهو غياب التقييم والمحاسبة والمساءلة للمسؤول والموظف الحكومي.
ولنعترف بصراحة، ان الموظف والمسؤول الحكومي كانا حتى فترة وجيزة وبشكل غير مباشر محصنين من أي مساءلة أو محاسبة نتيجة قيامهما بأنشطة مخلة بالأعمال الموكلة إليهما، حتى الوزراء ورئيس الوزراء فهؤلاء أيضا محصنون، واكثر ما قد يحدث لهم هو قبول استقالاتهم، وبعد أشهر قليلة سرعان ما يتم تعيينهم في مناصب عليا في الدولة من جديد، وكأن شيئا لم يكن أو يحدث.
حصانة المسؤول في القطاع العام في ظل غياب المحاسبة والمساءلة هي التي أدت الى هذا التراجع الكبير في أداء الإدارة العامة، فلو كانت هناك محاسبة فعلية ومحاكمة من كان مسؤولا عن خطة إعادة هيكلة القطاع العام والتي أدت إلى تهجير كل الكفاءات للخارج وهروبها مقابل إحلال من تساقط على الوظيفة العامة بالبراشوت.
ولو كانت هناك مساءلة حقيقية وقانونية فعلية على أداء الحكومة لتمت محاسبة من كلف خزينة الدولة أكثر من نصف مليار دينار فرق التقدير في ميزانية خطة الهيكلة السابقة التي قدرت حينها في العام 2012 بحوالي 82 مليون دينار.
للأسف غياب الرقابة والمحاسبة أشعرت المسؤول والوزير في بعض الحكومات بأنه فوق القانون ولا يستطيع احد مراجعة أعماله أو التدقيق فيها، كما حدث في المنحة الخليجية بقيمة 3.6 مليار دولار، والتي أنفقتها ثلاث حكومات وتحديدا حكومة النسور ( 4 سنوات) دون ان يكون لها أي قيمة مضافة على الاقتصاد الوطني، ولم يتسن استغلالها في بناء مشروع قومي استراتيجي يخدم الأجيال، لا بل للأسف ذهبت غالبيتها ( لتزفيت) شوارع لمزارع قوى متنفذة، مما أضاع على الأردن واحدة من اهم فرص التنمية الحقيقية التي كانت على الأبواب، وضاعت هباءً منثوراً.
الحصانة المخفية التي تمتع بها مسؤولو الدولة هي التي أدت إلى تنامي حالات الرشوة في بعض المؤسسات، فعمليات التهرّب الضريبيّ والجمركيّ ما كانت لتتم في السابق وبهذا الشكل الكبير لولا تواطؤ موظفين مع عصابات التهريب وبعض مدققي الحسابات للشركات.
للأسف عندما كانت الإدارات الرسميّة ترغب في عمليات الإصلاح الإداري سرعان ما كانت تجابه بتحركات قوى متنفذة من مختلف الأشكال ضدها، وتشويه عمليات الإصلاح بأنها غير حقيقية وتصفية حسابات لا اكثر، مما جعل المسؤول الحكومي يعتقد ان تلك القوى هي السند له اكثر من الدولة وقوانينها، وهذا ما حدث فعلا في السنوات الأخيرة.
بدأت لدينا بارقة امل قبل أيام قليلة مع صدور أحكام قضائية بالسجن والغرامة بحق عدد من موظفي القطاع العام الذي ارتكبوا مخالفات كبيرة في أعمالهم، والكل يتطلع الى ذلك اليوم الذي يحاسب الوزير والمؤسسات عن المخالفات الجسيمة التي ترتكب في لحظتها، فالإدارة الرشيدة والحصيفة هي التي تحاسب اولا بأول لا ان تترك القرار الإداري الخاطئ يسير لسنوات طويلة وبتداعياتها المالية والإدارية الخطيرة ثم تعود عليه بأثر رجعي، فالحصيف من يدرك الخطأ وقت وقوعه.

الغد





زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق