كيف تتحضر الأحزاب للمرحلة القادمة؟

د. محمد المومني

مقبلون على مرحلة تحول سياسية كبيرة، تؤسس لها مخرجات لجنة تحديث المنظومة السياسية، التي أتت بمسودات مشاريع قوانين وتوصيات فاقت توقعات غالب القوى السياسية.

المخرجات تشكل الخطوة الاستراتيجية الاولى لترجمة الرؤية الملكية للتحديث والتطوير، ويجب ان يتبع ذلك بخطوات عملية وهيكلية الاحزاب السياسية ميدانها الرئيس. احزابنا القائمة والقادمة عليها واجب وطني كبير، لكي تضع كتفها في جانب التحديث والتطور الذي بدأ في البلد، وان ترتقي لمستوى المسؤولية الوطنية الذي يرتبها عليها التحديث.

الاحزاب الصغيرة، خاصة تلك التي تمثل اليسار التقليدي، على الارجح سوف تتلاشى وتزول اذا لم تلتقط اللحظة التاريخية، فلا بد لهذه الاحزاب ان تندمج او ان تكبر قواعدها الجماهيرية الداعمة، فالمستقبل للاحزاب البرامجية الكبيرة، والحزب الذي لا يستطيع ان يكون كبيرا شعبيا وبرامجيا سوف يتجاوزه الزمن.

احزاب الوسط ايضا لا بد ان تندمج، او ان تتشكل بصيغ وهياكل تحاكي اللحظة السياسية، حتى تستطيع التنافس وحصد الاصوات.

على هذه الاحزاب، والاحزاب اليسارية ايضا، مغادرة الفردية، وان تدير ذاتها بطرق ديمقراطية تجدد القيادات والافكار. اما احزاب اليمين فتحديها في مكان آخر، وهي معنية تماما ان تبني منظومة برامجية واقعية عملية، تبتعد عن الشعاراتية التي لا تطعم خبزا ولا تسوق خيلا.

زمن الاستمتاع بدور المعارضة السهل الذي يكتفي بتقديم النقد قد ولى، وزمن الشعاراتية غير الواقعية او البراغماتية ما عاد يصلح، واصبح ضروريا ان تكون هناك محاكاة واقعية للواقع والتعامل مع تحدياته، وأن نشمر عن سواعدنا لبناء الوطن وحل مشاكله بدل المراوحة بدور المعارضة غير المكلفة.

هذا هو جوهر تحديات الاحزاب في المرحلة القادمة: تطوير اساليب عمل برامجية ميدانية براغماتية والتأكد من مغادرة الشعبوية والتنظير غير البناء، وثانيا، ان نبني احزابا كبيرة جماهيريا قادرة على الوصول للبرلمان على اساس برامجي ومن ثم المشاركة بتشكيل الحكومات.

الواقعية والبرامجية البراغماتية سر نجاح التحديث السياسي في المرحلة القادمة، وعلينا الانتباه الشديد ألا نذهب في سعينا لجني الاصوات لنقول للناس ما تحب ان تسمع على طريقة ما يطلبه المستمعون، بل يجب ان نقول الحقيقة مهما كانت صعبة، وان نطرح الحلول التي تتصدى للمشاكل والتحديات، ولذلك فالأحزاب تحتاج لخبراء وممارسين تنفيذيين لكي تتمكن من وضع برامج تطبيقية وليس شعارات وتنظيرا فقط.

ربما يكون هذا اكبر المعيقات المستقبلية امامنا، ان الديمقراطيات والانتخابات تنتج في الغالب حالة من الشعبوية غير المفيدة، في حين اننا نحتاج للواقعية في الطرح والعمل. التنافس بين الاحزاب سيساعدنا في التغلب على ذلك، وقد يعري كثيرا من الشعبويات الجوفاء لأن اي حزب منافس سوف يكشف عوار التنظير الشعبوي الخالي من المضمون الواقعي.

مرحلة كبيرة ومثيرة سياسيا مقبل عليها البلد، وعلينا جميعا ان نساهم بصناعة ديمقراطية يستحقها الاردنيون، واولى واهم صفات هذه الديمقراطية ان تكون برامجية واقعية، تبتعد عن الشعبوية والتنظير الواهم.

 

الغد





زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق