من وحي الكرامة

كتب: د. عبدالله الطوالبة

كانت معركة الكرامة، علامة فارقة في التاريخ العربي الحديث، على طريق رد الاعتبار للكرامة العربية واعادة التوازن للشخصية العربية، بعد هزيمة 1967 المهينة.

ظن العدو المتغطرس، المزهو بانتصاره قبل المعركة بتسعة أشهر فقط، أنه ذاهب في تظاهرة عسكرية تشبه النزهة، لتحقيق ما خطط له.

يقول قائد المعركة، مشهور حديثة الجازي (اسمه وفعله اكبر من الألقاب): عندما شاهدت حجم جحافل العدو المتقدمة صوبنا بغطاء جوي بكاد يغطي السماء، ظننت للوهلة الأولى أننا سنباد جميعا، ولن ينجو منا أحد.

ثم يتحدث القائد العسكري الفذ، بنبرة الواثق، كيف وزع المهام وكيف أدار المواجهة بالامكانات المتوفرة، والتي أكد انها لا تقارن مع القوة المهاجمة، وبخاصة لجهة نوعية السلاح وكمِّه.

يلفت النظر في إدارة الجازي للمعركة، اصداره أوامر حاسمة التزم بها الجنود الأردنيون المشهود لهم بالكفاءة والالتزام، بأن يخوض الضباط القتال مع الجنود في الخنادق، وفي المواجهة المباشرة مع جنود العدو.

وهو ما حصل، وقد طبق ذلك على نفسه أيضاً.

كما أصدر أوامر بتلقي التعليمات منه فقط، كقائد ميداني للمعركة.

إذن، الجندي العربي يمكن أن يواجه الجندي الصهيوني، بل ويقهره ويهزمه، اذا أُتيحت له ظروف مناسبة بحدود معقولة، وتوفرت له قيادة مخلصة.

ويخطيء جداً من يظن ان اي انتصار يحققه العرب، في أية مواجهة لا يؤثر على البنية النفسية للكيان على مختلف المستويات.

أذكر حديث كاتب اسرائيلي، لم أعد اذكر اسمه، لبرنامج “رحلة في الذاكرة”، الذي تبثه قناة روسيا اليوم.

أقر المتحدث، وكان من المشاركين في حرب 1973، أن الكيان دفع ثمن غروره وغطرسته في المواجهات مع العرب بعد عدوان 1967، وبدأ التفكير عن جد بايجاد حل سياسي للصراع.

منذ معركة الكرامة، لم يحقق الكيان انتصاراً يتوج باحتلال ارض عربية.

بل ما حصل هو العكس، لجهة الهروب من أرض سبق أن احتلها او دخلها غازياً متغطرساً، بدءاً بالكرامة عام 1968 وصولاً إلى جنوب لبنان عام 2006.

اصبح الكيان يتلقى الضربات في عمقه، ولهذا تأثير فارق على البنى النفسية لمكونه البشري.

نعتقد ان ما حدث عام 1967 لن يتكرر.

ولقد وجهت معركة الكرامة ضربة قوية للغرور المتغطرس وقد تمثل آنذاك بدعوة الصحفيين قبل بدء المعركة إلى شرب الشاي في مرتفعات السلط.

ونعتقد ان الكرامة حفرت عميقاً في ذاكرة الكيان، مؤكدة ان النهاية قد تأتي من الأردن بالذات في حال الإقدام على أية حماقة باتجاهه، ليس بسبب الموقع الجيواستراتيجي وطول الحدود مع فلسطين المحتلة فحسب، بل ولأن بعض دروس التاريخ قد تعيد نفسها وإن في ظروف مختلفة.

اهل الأردن بقيادة ميشع ملك مؤاب، كانوا اول من هزم العبرانيين عام 840 قبل الميلاد، بعد نبوخذ نصر الكلداني.





زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق