نحن موجودون في التاريخ

كتب: حسين الرواشدة

يريد البعض ان يشطب الاردن التاريخ لكي يستبدله بالاردن الجغرافيا والاردن "المكونات"، ويريد آخرون ان يتحرر الاردنيون الاصيل من "طينتة" التي خرج منها لكي يصبح "هجينا" او مجرد رقم في تعداد سكاني، ويريد طرف ثالث ان نشعر بأننا مجرد "اقلية" تتقاسم مع غيرها من الاقليات ما قدّر لها من نصيب.

حين فتح الاردنيون ابواب بيوتهم، وقلوبهم ايضا، للمهاجرين والمشردين والباحثين عن مأوى وللاحرار الذين ضاقت بهم اوطانهم، وبادروهم بالتحية والسلام، لم يخطر في بالهم ابدا ان تتحول الزيارات الى اقامات، لكنهم قبلوا بدافع عروبتهم التي تأبى الا اكرام الضيف، وحين التمّ الشمل واتسعت الدار لكل من دخل اليها، وحتى حين تصدّر البعض وحاول ان يتختطف الدار بمن فيها، عضّ الاردنيون على جرحهم، وتقاسموا الرغيف مع ضيوفهم، ولم تمنعهم العاديات من ان يمدوا بساطهم للقادمين وعلى محياهم ترتسم النخوة على صورة ابتسامة تردد: اهلا وسهلا..!

الان، حان الوقت لكي يصرخ الاردنيون من اعماق قلوبهم المثقلة بالتعب والعتب والغضب: نحن موجودون في التاريخ وفي الجغرافيا، لا نريد ان نتمدد ولا ان "نتسمن"، نريد ان نحافظ على وطن ليس لنا غيره، ذلك انه من المفارقات ان كل شعب له هوية يتوحد على اساسها، وقضية يدافع عنها، ودائرة وطنية كبرى يتميز بها عن غيره، لكن الاردنيين وحدهم – دون شعوب الدنيا – ما زالون يخجلون من ابراز هويتهم، لانهم حين يقولون نحن اردنيون يتهمون بانهم عنصريون، وما زالوا يبحثون عن قضية توحدهم ومشروع يحتشدون خلفه، لقد حان الوقت فعلا لكي يقول الاردنيون كلمتهم ويعبرون عن انتمائهم لوطنهم واعتزازهم بتاريخهم بلا خوف ولا خجل.

ما زال الاردنيون يرددون: اهلا وسهلا، حتى وان ضاقت ذات اليد عن تقديم اية مساعدة، وحتى لو مدّ "الراكبون" ايديهم الى "الخرج"، فهم يعرفون بفطرتهم ان هذا الوطن وطنهم مهما تناسلت احاديث "المكونات" مزيدا من العقوق والنكران، ومهما ردد الشامتون على مسمع منهم تهمة "التسول"، ومهما وقفوا امام المرايا الحزينة ورأوا صورتهم، ذات الصورة، على شكل رغيف، مجرد رغيف يركض وهم يركضون خلفة بلا جدوى.





زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق